منذ بداية عملية طوفان الأقصى وتصاعد الحرب في غزة، والتي رافقتها عمليات قتل واسعة النطاق ووحشية للمدنيين، تتواصل الضغوط العسكرية والأمنية التي يمارسها الكيان الصهيوني على مختلف مناطق القطاع يرافقها تصاعد بالعنف في الضفة الغربية بشكل حاد، ومن أجل منع الاحتجاجات الفلسطينية في هذا الجزء من الأراضي المتوترة المحتلة فرضت إجراءات تعسفية على تلك المنطقة، ليصل عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى أكثر من 90 شخصا في الأسبوعين الماضيين.
لكن اعتماد سياسة القبضة الحديدية لإسكات أصوات الاحتجاجات ومنع انتفاضة جديدة في المناطق الفلسطينية لا يقتصر على القتل في الشوارع، حيث إن حياة الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان معرضة لخطر جسيم.
وفي هذا الصدد، أعلنت منظمة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الثلاثاء، استشهاد عرفات حمدان (25 عاماً) من مستوطنة بيت سيرا غرب رام الله في معتقل "عفار".
وحسب المنظمة الفلسطينية، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي حمدان في الـ 22 من تشرين الأول الماضي، خلال حملة اعتقالات جماعية في الضفة الغربية بعد بدء عملية طوفان الأقصى في غزة.
ويؤكد هذا البيان أن الاحتلال، وفي ظل عدوانه الشامل على الشعب الفلسطيني ومعتقليه، بدأ عملية إرهاب ممنهج ضد المعتقلين في السجون.
كما أعلن تنظيم شؤون الأسرى ونادي الأسير، الاثنين الماضي، استشهاد عمر ضراغمة، أسير إداري من طوباس 58 عاماً، في معتقلات الكيان.
ويذكر في هذا البيان أن قوات الاحتلال اعتقلت ضراغمة ونجله حمزة بتاريخ 18 تشرين الأول الجاري، وتم نقلهما إلى الاعتقال المؤقت، وزعمت مؤسسة السجون الصهيونية أن هذا الأسير الفلسطيني توفي متأثرا بمرضه، وجاري التحقيق في تفاصيل هذه الحادثة، وأعلنت مصادر فلسطينية بعد ساعة أن عمر حمزة ضراغمة هو أحد قادة حركة حماس المعتقلين من مدينة طوباس بالضفة الغربية، والذي اعتقل مع بدء طوفان الأقصى.
ومن الجدير بالذكر أن "الاعتقال الإداري"؛ هو أنه يتم اعتقال واحتجاز أشخاص حقيقيين من قبل الحكومات، دون محاكمة ولأسباب أمنية بشكل عام، وتقول منظمات حقوقية إن كيان الاحتلال الإسرائيلي يلجأ إلى سياسة "الاعتقال الإداري" لاعتقال المدنيين الفلسطينيين دون اتهامات محددة ودون محاكمة، ما يحرم المعتقل ومحاميه من معرفة أسباب الاعتقال، وغالباً ما يؤدي إلى تجديد أمر الاعتقال، بحيث يحدث عدة مرات متتالية.
إن وفاة هذا المسؤول في حركة حماس موضع غموض، لأن ضراغمة حضر جلسة المحكمة ذلك الصباح، وحسب محاميه، فهو بصحة جيدة، واعتقلت قوات الأمن التابعة للكيان الصهيوني ضراغمة في الـ 18 من تشرين الأول، وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر.
رداً على استشهاد ضراغمة، نزل أهالي طوباس إلى الشوارع وتظاهروا ضد الكيان الصهيوني، ومن المتوقع أن تشتد حدة هذه الاحتجاجات غدا، وتؤدي إلى خروج سكان طوباس احتجاجا.
كما أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن عمر ضراغمة وقع في الأسر بعد عملية طوفان الأقصى وتم اغتياله في السجن بسبب التعذيب، وحمّلت حركة حماس، في هذا البيان الذي نشرته في وقت مبكر من الثلاثاء الماضي، الكيان الإسرائيلي المحتل المسؤولية عن تبعات الانتهاكات المستمرة لحقوق الأسرى، ودعت إلى ممارسة الضغوط الدولية ضد قيادات الكيان المجرمة.
وقالت الحركة: إن سلطات الاحتلال الصهيوني تواصل عملياتها وانتهاكاتها الوحشية بحق أسرانا الأبطال في سجونها، والتي تشمل الضرب الوحشي، والحرمان لفترات طويلة من الماء والكهرباء، وعدم كفاية الرعاية الطبية والوجبات الغذائية.
سياسة اغتيال قادة المقاومة
كما أن استشهاد ضراغمة يثير الشكوك، بعد أن تبين أنه أحد قادة جبهة المقاومة الإسلامية في الضفة الغربية، على سبيل المثال، أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب السابق في الكيان الصهيوني وزعيم الحزب المعروف باسم "إسرائيل بيتنا"، وفي مطلع أيلول الماضي، بعد تزايد العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية ومقتل العشرات من المستوطنين، أثناء انتقاد أداء نتنياهو، طالب باستئناف سياسة اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية، وقال "لن يكون هناك حل لهذه المشكلة دون استئناف سياسة الإرهاب".
وقبل ثلاثة أشهر اغتال الكيان الصهيوني ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي، ما أدى إلى صراع استمر ثلاثة أيام بين الجانبين، والآن، ومع تزايد مخاوف القادة الصهاينة بشأن احتمال حدوث احتجاجات حاشدة وحتى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وخاصة إذا بدأت العمليات البرية في غزة، يبدو أن إحدى السياسات الأمنية هي اعتقال وقتل قادة المقاومة في هذه المنطقة من قبل "إسرائيل"، ما يخلق أيضا الخوف والذعر ويقلل من قوة التنظيم والقيادة والعمل التنظيمي في أعمال الشغب المحتملة.
الانتقام من الأسرى الفلسطينيين
ما لا شك فيه أن عملية طوفان الأقصى الرائعة والخاطفة، التي رافقتها خسائر فادحة وأسر مئات الأسرى، حققت انتصارا كبيرا للمقاومة الفلسطينية وألحقت جرحا بالهيمنة الزائفة لسلطة الكيان العسكرية والأمنية، والتي ستبقى آثارها وعواقبها طويلا.
وأمام هذه الهزيمة الفادحة، لم يبد الصهاينة أي مبادرة على أرض المعركة، باستثناء الغارات الجوية العمياء التي تذبح المدنيين، كما توقف جيش هذا الكيان خوفا من عواقب بدء العمليات البرية خلف أبواب غزة، لذلك، في هذا الوضع حيث النساء والأطفال والكبار والصغار الفلسطينيون هم ضحايا الانتقام الأعمى للصهاينة المتعطشين للدماء، فمن المؤكد أن الأسرى في سجون الكيان هم الفلسطينيون الأكثر عزلة ويمكن الوصول إليهم لإرضاء وحشية الصهاينة.
يريد قادة تل أبيب المجرمين أن يظهروا أنهم قادرون على الضغط على حماس لإطلاق سراح الأسرى باستخدام بطاقة السجين، من خلال تبني سياسة العين بالعين.
"إسرائيل" مجبرة على تبادل الأسرى
ومن ناحية أخرى، هناك احتمال أن يكون الكيان الصهيوني يريد قتل الأسرى الذين كانوا من أكثر عناصر المقاومة تأثيراً في السنوات الماضية، والآن سيجد نفسه مضطراً للتفاوض من أجل إطلاق سراح المعتقلين في أيدي حماس، وسيكونون مجبرين على عملية التبادل للحد من المخاطر الأمنية.
وأعلن مسؤولو حماس مرارا عن جهودهم لإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان من خلال صفقة مع المعتقلين الصهاينة، وفي أحد هذه التصريحات، قال خالد مشعل، أحد قادة المقاومة في غزة، في حديث لـ"العربية": "لدينا ما يكفي من الأسرى العسكريين الإسرائيليين للتفاوض مع أسرانا، وقد أعلنا استعدادنا لتسليم المدنيين من أسرى بعض الدول"، وأضاف: "نحن نتحدث فقط عن الأسرى العسكريين الإسرائيليين ولن نتبادل الأسرى الإسرائيليين إلا مقابل إطلاق سراح جميع أسرانا".
URL تعقيب: https://www.ansarpress.com/arabic/28063
الكلمات: